اقتصاد

الحقيقه المره وراء مسلسل أزمة البنزين _ الخميس 14/1/2021

عادت أزمة المشتقات النفطية (مازوت- بنزين) للتفاقم مجدداً مع بداية العام، وعادت معها أزمة الطوابير الطويلة أمام الكازيات، بعد أن تقلصت بشكل نسبي ومحدود نهاية العام الماضي، دون حل نهائي لها.

الأزمة الجديدة كان سببها المباشر هو تخفيض الكميات المخصصة للتوزيع على المحافظات من مادتي المازوت والبنزين من قبل وزارة النفط، وكان السبب في ذلك هو عدم توفر الكميات الكافية من هذه المشتقات لدى الوزارة، برغم تأكيداتها المكررة سابقاً على أن مشكلة توريدات المشتقات النفطية في طريقها إلى الحل.

 

 

إعلان رسمي

ورد على الصفحة الرسمية لوزارة النفط بتاريخ 10/1/2021 ما يلي: «نتيجة تأخر وصول توريدات المشتقات النفطية المتعاقد عليها إلى القطر بسبب العقوبات والحصار الأمريكي الجائر ضد بلدنا، وبهدف الاستمرار في تأمين حاجات المواطنين وإدارة المخزون المتوفر وفق أفضل شكل ممكن؛ فقد تم وبشكل مؤقت تخفيض كميات البنزين الموزعة على المحافظات بنسبة ١٧% وكميات المازوت بنسبة ٢٤% لحين وصول التوريدات الجديدة، التي يتوقع أن تصل قريباً، وبما يتيح معالجة هذا الأمر بشكل كامل».

الأزمة معروفة مع تبعاتها السلبية

الإعلان الرسمي لوزارة النفط أعلاه أتى بعد أن تفاقمت الأزمة عملياً، فقبل ذلك كان قد نُقل عن عضو المكتب التنفيذي عن قطاع المحروقات في محافظة ريف دمشق، عبر إحدى الإذاعات المحلية بتاريخ 7/1/2021، أن: «وزارة النفط والثروة المعدنية خفضت عدد طلبات مادة المازوت في الريف من 44 طلباً إلى 30 طلباً يومياً، وعدد طلبات مادة البنزين من 22 طلباً إلى 10 طلبات فقط، موضحاً أن التخفيض معمم على كافة المحافظات، حيث تُحدد مدة استمراره بحسب الكميات الواردة».

لا شك أن وزارة النفط تعلم جملة التداعيات السلبية التي ستظهر بنتيجة قرار تخفيض مخصصات المحافظات من المشتقات النفطية، بحسب ما ورد أعلاه.

 

 

فمن المفروغ منه، أن الأزمة ستتفاقم استناداً لهذا التخفيض، الذي بدأ مع مطلع العام، ومن المفروغ منه أن تبعاتها ستزيد وتتفاقم بدورها! حيث لن تقف عند حدود الازدحام على الكازيات فقط، بل ستتعداها إلى أزمات كثيرة أخرى، لعل أهمها: أزمة المواصلات المرافقة لكل أزمة في المشتقات النفطية، وكذلك تداعيات هذه الأزمة على الصناعة والإنتاج والنقل، وعلى أسعار السلع والخدمات، وبالتالي، على كافة المواطنين ومن جيوبهم بالنتيجة.

فإذا كانت الكميات السابقة قبل التخفيض غير كافية لحل أزمة المشتقات النفطية بشكل نهائي، فكيف مع هذا التخفيض، ووفقاً للكميات أعلاه؟ وإلى أين ستصل تداعياتها ومن سيدفع ضريبتها بالمحصلة؟ وما هي الحلول المرتقبة استناداً للتجارب السابقة؟

 

 

أزمة ومستفيدون كبار

مع استمرار الأزمة الحالية وتفاقمها لا ندري ما سوف تتفتق عن قريحة أولي الأمر من حلول لها؟!

فالأزمة السابقة، تم حلها بشكل جزئي نسبياً خلال العام الماضي من خلال بعض الإجراءات التي خفضت المخصصات من طرف (للآليات وللقطاعات)، ورفعت السعر من طرف آخر (للمدعوم والحر)، أي: تم تخفيض الدعم على المشتقات النفطية عملياً.

لكن اللافت، أنه وبعد جملة الإجراءات المتخذة في حينه تم حل ما قيل عنه مشكلة توريدات، وإن بشكل جزئي، لكنها لم تحل الأزمة بشكل نهائي حتى تاريخه، بل ما زالت مستمرة وتتفاقم، وكان وما زال السبب المعلن والمستمر هو: «تأخر وصول توريدات المشتقات النفطية المتعاقد عليها»، المرتبطة بـ«العقوبات والحصار»، طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار أن التعاقد على التوريدات تنفيذياً يقع بعهدة بعض كبار المستوردين من المحظيين من القطاع الخاص، المستفيدين عملياً من ذرائع العقوبات والحصار عبر فرض هوامش الربح الكبيرة الإضافية كل مرة وفقاً لهذه الذرائع.

 

 

السوق السوداء تنتعش

ما يفقأ العين، أن الحديث عن نقص التوريدات وعن العقوبات والحصار، وغيرها من الذرائع الكثيرة الأخرى، مقابل الإجراءات المتخذة رسمياً للحلحلة، لم تمنع نشاط السوق السوداء على المشتقات النفطية، أو تحد منها، بل على العكس!

فمع كل أزمة جديدة للمشتقات النفطية تنشط شبكات السوق السوداء أكثر مما سبق، لترتفع معها أسعارها الاستغلالية بشكل كبير على حساب الحاجات والضرورات، سواء كانت للاستخدامات المنزلية، أو للمواصلات والنقل، أو للصناعة والإنتاج والزراعة، وغيرها من القطاعات الأخرى.

فالبنزين والمازوت والغاز متوفر في هذه السوق وبالكميات الكافية، لا يعيق توفرها فيها لا عقوبات ولا حصار، وكل الإجراءات المتخذة رسمياً حيال هذه السوق، بما في ذلك بعض الضبوط المنظمة، لم تتجاوز حدود رفع العتب بهذا الصدد!

النفي الذي يسبق عاصفة الأسعار

نفى وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك نهاية العام الماضي ما يروج عن زيادة أسعار المشتقات النفطية، فقد ورد على صفحة الوزارة بتاريخ 11/12/2020 ما يلي: «نفى وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك صحة ما يروجه البعض عن زيادة أسعار المشتقات النفطية، وأكد في تصريح له مساء اليوم: أنه لا أساس لهذه المعلومات المتداولة، وأن الموضوع غير مطروح أساساً».

 

 

النفي الرسمي أعلاه، بالتوازي مع تفاقم الأزمة واستمرارها مع أسبابها المعلنة عن التوريدات والعقوبات والحصار، يذكرنا بكل التصريحات الرسمية التي تسبق عادة قرارات رفع الأسعار، وإجراءات تخفيض الدعم التي يتم اتخاذها رسمياً.

و«لحين وصول التوريدات الجديدة التي يتوقع أن تصل قريباً»، بحسب إعلان وزارة النفط أعلاه، نتساءل:

هل نحن مقبلون على تخفيض مجدد للدعم على المشتقات النفطية من خلال رفع أسعارها بشكل رسمي كما درجت عليه العادة؟

وما هي الكوارث الجديدة التي ستحل بالمواطنين، من خلال سلاسل رفع الأسعار المتوقعة على كافة السلع والخدمات، بحال جرى ذلك؟!

 

 

أزمة مواصلات مستفحلة

أزمة المواصلات كانت أول ما ظهر من تداعيات سلبية بنتيجة تخفيض مخصصات المحافظات من المشتقات النفطية، فقد تفاقمت هذه الأزمة بشكل كبير منذ بداية العام، وتزايدت الازدحامات في مراكز انطلاق السرافيس والباصات وعلى طول امتداد خطوطها، وفي كافة المحافظات، وفيما بينها أيضاً، وخاصة خلال ساعات الذروة الصباحية والمسائية، وترافقت هذه الأزمة مع تزايد مستويات استغلال حاجات المواطنين للتنقل عبر ما يتاح من وسائط مواصلات، تكاسي أو تكسي سرفيس، وحتى السرافيس العاملة على خطوطها، من خلال فرض أجور مرتفعة على المواطنين، والذريعة المعلنة، هي لجوء هذه الوسائط لتأمين (المازوت- البنزين) من خارج المخصصات باعتبارها غير كافية، من خلال السوق السوداء بأسعارها المرتفعة.

ومع كل أسف يبدو ألّا حلول ظاهرة في الأفق لحل هذه الأزمة المزمنة، المستمرة والمستفحلة، مع كل ما يعنيه ذلك من أعباء تقع على عاتق المواطنين، والتي لا تقف عند حدود ما يتم هدره من وقت وجهد على الطرقات، بل وعلى ما يتكبدونه من نفقات وتكاليف استغلالية إضافية، اضطراراً.

صحيفة قاسيون