ثقافة و أدب

قصه ذات بعد يقيني .. فطري …….. 💕💕

– قصة قصيرة ذات بعد يقيني فطري –

تقول إحداهن :

• عشت في صغري لفترة مع جدتي …
تلك العجوز التي لم تنل قسطا كافيا من التعليم ، لكن الله عوضها بدلا من ذلك إيمان فطري ينم عن حكم عجيبة ، عميقة البعد الفكري باليقين المطلق بمدير الكون ومدبره جل شأنه …
• كانت تمر بالبيت أحيانا ظروف إقتصادية صعبة كما يحدث في كثير من البيوت ( كتأخر خالي بإرسال المصروف لها ) .

ولا أدري كيف كانت تدبر أمر البيت أثناءها إلى أن تمر الأزمة بسلام .
لكن في يوم لا أنساه..

 

 

مرت جدتي بأزمة طاحنة مفاجئة لم تكن في الحسبان… حيث نزلت للسوق لتشتري بعض الحاجيات فضاع منها كيس نقودها أو سرقه أحدهم …
فعادت إلى البيت ودخلت فوراً وهي شاردة الذهن نحو دولاب الملابس لتخرج آخر ما تبقى من نقود …
ولا أنسى مظاهر الحيرة والارتباك على تقاسيم وجهها آنذاك وهي تنظر للخمسة الباقية في البيت كله …
أمسكت بها لدقيقة كاملة تنظر إليها وكأن نهر من الأفكار والحسابات المعقدة يمر بعقلها . و لأول مرة ألحظ في عيني المرأة القوية دموع الحيرة والعجز . وما لبثت أن تجلدت و كأنها قررت حلاً مفاجئاً ، فالتفتت إلي بحماسة وتصميم تطلب مني أن أساعدها فيما ستفعله … لكن ما طلبته كاد يصيبني بالجنون .
طلبت مني أن أنزل لشراء عشر بيضات وربع كيلو عدس … فظننت أنها ستطبخه لنا … ولكن ..!!

 

 

• أخذت تطبخ العدس في استغراق وإتقان حتى تصاعدت رائحته الشهية لتغمر البيت … وسلقت البيض ، وسخنت بعض أرغفة الخبز ، ووضعت بعض الملح والفلفل في ورقة صغيرة … ونزلت إلى الشارع و وزعتهم على بعض الفقراء في الحي ، أما أنا فكدت أُجن ..!.. لقد نفد ما عندنا من مال … وكدت أصرخ فيها : على الأقل كنت أعطني بيضة منهم . وكأنها قرأت ذلك في عيني المذهولة … فقالت في إيجاز وثقة ، فقط : ( اصبري .. )
رجعنا البيت قبيل العصر … ولم يكن أمامنا إلا أن ننام لبعض الوقت .
لكننا استيقظنا على صوت طرق مزعج لباب البيت … فإذا فتى ممن يبيعون في السوق يسألها :
( كيس النقود هذا لك يا حاجة) ؟؟
كان قد سقط منك أمام محلنا ، حاولت اللحاق بك إلا أني فقدتك في زحمة السوق … ولأن الفتى أمين فقد سأل الباعة حوله عمن يعرف بيت السيدة التي مواصفاتها كذا وكذا . والتي تأتينا كل أسبوع فأرشدته إحدى البائعات إلى منزلها .

 

 

• ولم تمض ساعة ..
حتى أتانا طارق آخر ، فإذا بصديق لخالي عاد من سفر ليعطينا دين عليه لخالي اقترضه قبل السفر مع هدايا وحلويات .

• يومها قالت لي جدتي : (يا بنتي .. اللقمة تزيح النقمة .. كل ما تضيق عليك الدنيا وتطبق على روحك .. اطعمي فقير او محروم )
قلت لها ضاحكة : (طيب كنا نعطي حاجة ثانية أحسن من العدس ) .
قالت : العدس من الأكل الذي ذكره ربنا في القرآن الكريم .. وكذالك أنا أقدمه للناس لأني أحبه …
قدمي للناس من اللقمة اللي تحبيها .. فيحلي ربنا زادك ويفرج كربك …

 

 

• عرفت بعد أن كبرت التأصيل الشرعي لثقافة جدتي ، وقرأت الحديث القدسي :

– (أنفق يا ابن آدم أُنفق عليك)

– وتعلمت قول الله تعالى :
{ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩)}[ سبأ ]

– ( عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا قَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ )

– {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة / ٢٦٧ ]

• لم تكن جدتي تحفظ هذه النصوص.. لكن هذا اليقين كان يسري في كيانها كله .

• كبرت وقرأت الكثير عن فضائل الإنفاق في سبيل الله وآثاره على العبد في الدنيا والآخرة . فاستقبلتها في يقين من عاين كل هذا بعينيه ، ورأى كيف يستر الله أسرة بسيطة كبيرة العدد قليلة الرزق عبر سنوات ويعبر بهم نهر الحياة في بساطة وبركة ويسر .
• تعلمت أن التعامل مع الله تجارة رابحة … وأن من تعامل مع الله بصدق وإخلاص عرف كرمه ولطفه ورحمته… فقط تعامل معه بيقين …

{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة / ٢٤٥ ]

( منقول )

============================