ثقافة و أدب

من مذكرات دراجه

مفعمة ومليئة بالمشاعر والأحاسيس الوجدانية تمثل حال كل منا ان لم يكن فيها كلها ففي طرف منها ولكنها جميلة أحببت نقلها ومشاركتها

لماذا !!!! للدكتور محمد حلوية
——–
لم يكن في قريتنا طائر “وروار” .. كان في قريتنا حمار .. وطائر يدعي “كروان” .. وفلاح اسمر .. وعربة يجرها حصان .. لم يكن في دارنا بغبغان .. لم تكن دارنا قصرٌ .. لم يكن لأبي عرش، ولا صولجان .. كان لأبي “دكان” .. ودراجة قديمة، داكنة الألوان ..

كان في الدراجة أسلاكٌ مكسورة .. ورفارف مبتورة .. كان أبي يسافر بالدراجة “للمنصورة”.. يقود الدراجة بقلب صامد .. شديد الخفقان .. وأنا خلفه .. هادئ .. حالم .. فرحان ..

 

 

كان ابي يقود الدراجة وصدره يصد عني الهواء .. ليتركني خلفه ، أحلق في كل الأنحاء .. انظر للسماء .. أتأمل سحابة شهباء .. وسحابة تشبة شجرة .. وسحابة تشيه بقرة .. وسحابة تشبه نحلة .. وأخري تشبه نخلة .. وسحابة داكنة تشبه هضبة، متعرجة الأرجاء .. وسحابة وديعة، تشبه وجه مريم، العذراء … ..

كان أبي يتحمل عنا كل عناء .. ونحن نلهو .. نمرح .. نفرح .. نتأمل .. نتعلم .. كان أبي يدفع الدراجه، وكله – فينا – رجاء .. وانا خلفه فوق الدراجة .. لا افعل سوي تأمل سحب السماء .. وأمّلُ فانظر للأرض .. أتابع حبات الحصي، وهي تسارع للوراء ..

كان أبي يلهث، ولا أشعر بما يعانيه … لم أدرك حينها ، كم حلمٌ كان يحويه .. كم أملٌ كان يضاويه .. كم اختبار رسب أبي فيه .. كم طموح كان أبي يؤاخيه .. وكم دعاءٌ كان لنا يدعوه.. ورجاءٌ كان لي يرجوه … وكبرت!!! ..

 

 

كبرت وصرت أبًا، فأدركت ما كان أبي يقاسيه .. وكم حملٌ كان يُضنيه .. كم مشوار سار أبي فيه .. كم كان أبي يسهر مع الرب يناجيه .. كي يقويه .. ويحقق فينا أمانيه .. كبرت ومازلت اتساءل: لماذا !!! ….

لماذا لا يشعر أحدٌنا بحلم أبيه .. لماذا لا يشعر أحدنا بحمل أبيه .. لماذا لا يدرك أحدنا قدر أبيه .. إلا بعد ان يشقي بما كان يُشقيه .. ويعاني بما كان يعانيه ، ليحقق ما يحلم به لبنيه ؟؟!!!
——————-
من مذكرات دراجة