اجتماعي

السماء تمطر قططا وكلابا

كنتُ على وشك الإغفاء حين رنّ الهاتف. نظرتُ إلى الساعة فوجدتُها الواحدة بعد منتصف الليل. كان التيّارُ الكهربائيّ مقطوعًا، وقطراتُ المطر تنقر زجاجَ النوافذ كمناقير الدجاج. رفعتُ السمّاعة، فوصلني صوتُ الدكتور طارق ــــ صديقي الشابّ ــــ الذي ألتقيه عادةً في المقهى، حيث نشرب الفودكا مع الكريفون، أو نكتفي بالقهوة السادة، ونتحدّث في الأدب والفنّ والرياضة، وفي الموسيقى التي كانت شغلَه الشاغل، إلى جانب عمله طبيبًا مختصًّا في جراحة القلب. وكثيرًا ما رأيتُه خارجًا من عيادته حاملًا عُودَه في يد، وفي الأخرى حقيبتَه الطبّيّة. كان يضحك حين يراني أبتسم، ويقول مشيرًا إلى قلبه ثم إلى العُود: “هذا بحاجة إلى هذا أيضًا.”
لم تكن هذه موهبتَه الوحيدة؛ فلطالما أضحكني وهو يختلق القصصَ والطرائفَ عن الزبائن أو العابرين أمامنا على الرصيف. وأذكر كيف قطع حديثَه الجدّيَّ مرّةً ليقول لي: “أنظرْ إلى ذلك الرجل صاحبِ السترة الزرقاء، أجزمُ أنه تخاصم مع زوجته قبل خروجه من البيت!” وحين سألتُه عمّا يجعله متأكّدًا من ذلك، ردّ بكلّ جدّيّة: “كلُّ الرجال يتخاصمون مع زوجاتهم قبل خروجهم من البيت.” لم أحاججْه، وهو العازب، واكتفيتُ بالضحك. كان طارق من الناس الذين تقْبل منهم ما لا تقبله من الآخرين، ويُضحِكُكَ ما يقوله ولو كان تعليقًا بسيطًا على مصّاصات المتّة أو رحلات الفضاء أو شربِ الشاي.

 

ــــ أهلًا طارق. خير، شو فيه؟!
ــــ فيه ليتر نبيد، وشويّة موالح، وغصّة بالحلق. انت وحدك؟
ــــ الجميع في القرية، قلت.
ودعوتُه إلى المجيء.
***
تعرّفتُ إلى طارق وهو في المرحلة الثانويّة. كنتُ أستاذَه في المدرسة لسنتيْن متتاليتيْن (الثاني ثانوي والثالث ثانوي). عرفتُه طالبًا متميّزًا، لا في مادّة الرياضيّات التي كنت أدرّسها فحسب، بل في سائر الموادّ كذلك. وكان من الطبيعيّ أن يحصل على مجموع علاماتٍ يؤهِّله لدراسة الفرع الجامعيّ الذي يريد. لكنّ رغبتَه تعارضتْ مع أحلام والديْه: فهو يرغب في دراسة الرياضيّات أو الفيزياء أو الموسيقى، وهما يريدانه طبيبًا “قدّ الدني.” وقد سألني حينها عن رأيي، فقلت له مُخالِفًا قناعاتي: “لا تُغضِبْ والديك.”
***
بعد نصف ساعة، كان طارق يجلس قبالتي مبلَّلًا بالحزن والماء. شربنا كأسَنا الأولى من النبيذ، وتبادلنا الأنخابَ على ضوء الشموع، يرافقنا صوتُ محمّد عبد الوهّاب يصدح من مذياعي الصغير: “قالولي هان الودّ عليه.” وكعادته، وعلى الرغم من حزنه، سألني من دون مقدِّمات:
ــــ هل تعلم ماذا يقول الإنكليزُ عن المطر عندما يكون قويًّا إلى هذه الدرجة؟
ــــ ماذا يقولون؟
ــــ”It’s raining cats and dogs.”
لم أكن قد سمعتُ بهذا القول من قبل. فضحكتُ وأنا أتخيّل القططَ والكلابَ تتساقط من السماء وتتراكضُ في الشوارع بين سيقان الناس. لكنّه لم يشاركْني الضحك، واكتفى بابتسامةِ مجاملة. حاولتُ إخراجَه من حزنه فاقترحتُ نخْبًا:
ــــ كأس القطط والكلاب.
ــــ كأس الكلاب، ردَّ.
ثم أشعل سيجارةً وأخذ يُدندن مع عبد الوهّاب: “… خلّوني حبّو على هَوايَ… وشوف بِحبو سَعدي وشَقايا…” فشاركتُه الغناءَ إلى النهاية، وأنا أضبط الإيقاعَ بأصابعي فوق خشب الطاولة. كان الجوّ رومانسيًّا، يصلح لعاشقَين، لا لشابٍّ حزينٍ وأستاذِه المتقاعد الذي يزيده بثلاثين عامًا على الأقل.
امتدّ الصمتُ بيننا للحظات قبل أن تبدأ أغنيةٌ أخرى، رافقها بَرْقٌ عظيمٌ اقتحم فضاءَ الغرفة كأنّه ضوءُ النهار، وتبعه صوتُ رعدٍ أجفلني ــ ــ على عكس طارق الذي بقي غارقًا في الكنبة ولم يهتزّ له جفن. كان يمجّ سيجارتَه بهدوء، ويُطلق دُخانَها على شكل دوائرَ تخرج من بين شفتيْه المزمومتيْن ثم تتلاشى وهو يراقبها بصمت.
هذا ليس طارق الذي أعرفه، قلت. وبحركة عفويّة مددتُ يدي وربّتُّ على ركبته مواسيًا، من دون أن أدري أنّني بحركتي البسيطة هذه قد سحبتُ قطعةَ الحصى الصغيرة التي كانت تُسنده، فانهار دفعةً واحدةً كجدارٍ دَهَمَه السيل. لا شيء يُبكي الرجلَ بهذه الطريقة سوى الأنثى، قلتُ لنفسي، ثم سألتُه وأنا أنظر إلى عينيْه:
ــــ من هي؟

 

ــــ جارتي، همس وهو يعدّل جلستَه ويمسح دموعَه بكفّيْه.
ثم أشعل سيجارةً جديدةً وبدأ يروي لي قصّته مع تلك الجارة:
“رأيتُها للمرّة الأولى قبل شهر وهي تنشر الغسيلَ على شرفة بيتها المقابل لعيادتي. كانت جميلة، لدرجةِ أنني نسيتُ نفسي وأنا أراقبها. انتبهتْ لي، وابتسمتْ بخجل، قبل أن تدخل وتغلقَ وراءها الباب. لا أعلم ما الذي حصل لي في تلك اللحظة. شعرتُ كأنّ تيّارًا كهربائيًّا اخترقني من رأسي حتّى أخمصِ قدميّ. وبات شغلي الشاغل مراقبة تلك الشرفة والنافذة ذاتِ الستائر الشفّافة المسدلة باستمرار. وصرتُ أبقى في العيادة ليلًا لفتراتٍ أطول من المعتاد، مفضّلًا انتظارَ ظهورها على السهر مع الأصدقاء، أو الذهاب إلى البيت.”
***
كنتُ أستمع إليه وأتذكّر نفسي، وأنا في مثل سِنّه، كيف أعجبتُ بابنة الجيران وصرتُ أنتظر خروجَها وألحق بها، وهي تتجاهلني بغنجٍ يَفضح إعجابَها بي. إلى أن اعترضتُ طريقَها يومًا وسرقتُ منها قبلةً كلّفتني صفعةً قويّةً جعلت الطنينَ يلازم أذنيّ ساعتين. وددتُ أن أحكي له هذه الحكاية، لكنّه كان منسجمًا في الحديث، ففضّلتُ عدمَ مقاطعته، وبقيتُ منصتًا إليه:
ــــ في مساء أحد الأيام كنتُ جالسًا في الظلام أداعب أوتارَ العود، حين أطلّتْ من نافذتها وبدا أنّها تبحث عن مصدر الموسيقى. توقّفتُ عن العزف وأضأتُ النورَ كي تراني بوضوح. فابتسمتْ ورفعتْ يدها بحركة خاطفة تحيّةً لي. لم أتردّد وحيّيتُها بدوري بهزّة من رأسي وابتسامةٍ آلمتْ شفتيّ! في تلك اللحظة، شعرتُ أنّني في أهمّ مسارح العالم، وأنّ جمهوري بالآلاف يُطلّ عليّ من تلك النافذة. أطفأتُ الضوءَ ثانيةً، ثم اخترتُ مقدّمة أغنية “يا مسهّرني” لأمّ كلثوم، وبدأتُ أحلّق مع النغمات، منتشيًا بقوس قزح الموسيقيّ الذي امتدّ بيننا حاملًا صفاءَ روحي ودفءَ أنفاسي وكلَّ الجمال الذي كنتُ أعيشُه في تلك اللحظات. وبينما أنا في تلك الحالة الصوفيّة، رأيتُ والدَها يقترب منها من الخلف، ليجذبَها من شعرها بقوّة، ثم يرميها أرضًا، ويكيل لها الشتائم وهو يسوطها بحزامه الجلديّ!
توقّف طارق عن الكلام، وأشعل سيجارةً جديدة، ثمّ سألني إن كنتُ على استعداد لسماع قصّته إلى النهاية. أومأتُ برأسي،

 

ورجوتُه أن يتابع:
ــــ شعرتُ بالقهر وأنا أراهُ يضربها بهذا العنف وهي لا تنبس بأيّ حرف…
وغصّ طارق بالكلام، ثم تمالك نفسَه وتابع والدموعُ تملأ عينيه:
ــــ لم تكن تريدني أن أسمع صراخَها أو بكاءها، هكذا فسّرتُ صمتها الرهيب.
مرّةً أخرى تحشرج صوتُ طارق، فهرب إلى كأسه ورشف منها القليل ثم تابع:
ــــ لا أعلم ما هي العلاقة التي نشأتْ بيني وبينها بعد لقاءين بالنظر عن بعد! لا أعرف تفسيرًا لتلك العاطفة التي اجتاحتني حين رأيتُها أوّلَ مرّة، أو ماهيّة المشاعر التي غمرتني حين كنت أعزف لها في تلك الليلة!
توقّف عن الكلام وسألني:
ــــ أهو الحُبّ؟
ــــ أعرِفُ الحبَّ حين أراه في عيون العشّاق. ولو نظرتَ إلى نفسكَ في المرآة الآنَ، لرأيتَ اللبلابَ يعرّشُ على صدرك وفوقَ كتفيك، ولرأيتَ الفراشاتِ تحوم حول رأسكَ وتحطُّ عليه. لو نظرتَ إلى نفسِكَ الآنَ، لرأيتَ العسلَ يقطرُ من شَهد عينيك. نعم إنّه الحُبّ… الحُبّ الذي يبحث عنه الكثيرُ من الناس ولا يجدونَه، فيعتقدون أنّه غير موجود. لكنّ حُبّك جاءَ على هيئة عاصفة كما يبدو لي.
ــــ لو قلتَ هذا الكلام في يومٍ آخر لكنتُ أعجبتُ به. لكنني اليومَ عاجزٌ عن الإعجاب بأيّ شيء.
قال ذلك، ثم تمدّد على الكنبة وأغمض عينيه.
***
نظرتُ إلى ساعة يدي فوجدتُها قد تجاوزت الثالثة صباحًا بقليل، ولا يزال التيّارُ الكهربائيّ مقطوعًا. كذلك الأمطارُ لم تتوقّف طوال الوقت. تركتُ طارقًا لغفوته وذهبتُ إلى المطبخ كي أُعدَّ القهوة، بعد أن طار النومُ من عينيّ. وبينما أنا أبحث عن الركوة والبنّ، فوجئتُ به يقف خلفي ويسألني إنْ كان عندي ما يصلح للأكل. أجّلتُ صنعَ القهوة، وبدأتُ في إخراج الخبز وصحون اللبنة والزيتون والمكدوس من الثلّاجة، وغير ذلك من حواضر البيت، بينما تفرّغ هو لصنع الشاي. وخلال دقائق كنّا نجلس حول طاولة المطبخ نتناول طعامَنا بصمت، يقطعه بين الحين والآخر صوتُ حوارٍ عنيفٍ يجري في الخارج بين السماء والأرض.
كنتُ أريد معرفة بقيّة الحكاية ــ ــ إنْ كانت لها بقيّة. فسألتُه ونحن نشرب الشاي وندخّن بعد انتهائنا من تناول الطعام:
ــــ ثم ماذا حصل لجارتك؟

 

بدا أنّه كان ينتظر سؤالي، فتابع من حيث انتهى:
ــــ لم أفعل شيئًا لنجدتِها. تصرّفتُ كالجبناء: أغلقتُ بابَ عيادتي وهربتُ. وبقيتُ عشرةَ أيّام مُغلقًا نافذتي ومسدِلًا ستائرَها، مقاومًا رغبتي في استراق النظر إلى شرفتها كما كنتُ أفعل كلَّ يوم. وفي مساء اليوم الحادي عشر، هزمني قلبي، فأزحتُ الستارةَ مقدارَ أصبع، لأجدها قبالتي بابتسامتها التي أضاءت قلبي من جديد. وفي الوقت نفسه شعرتُ بالخوف عليها؛ وكي أكون صادقًا، فقد شعرتُ بالخوف على نفسي أيضًا ــ ــ فوضعي الاجتماعيّ لا يحتمل فضيحةً من هذا النوع. لكنها طيّرتْ كلَّ هذه الهواجس من رأسي حين رأيتُها تسألني بحركةٍ من يديها: أين العود؟ أخذتُ العودَ وبدأتُ العزفَ، لأفاجأ بها تبتعد إلى عمق الصالون كي أراها بكامل قامتها، ثم تربط شالًا على خصرها وتبدأ الرقص.
وأكمل طارق:
ــــ لا أعلم كيف أصف لك المشهد. لكنّ الذي أعرفه أنني شعرتُ بنفسي خفيفًا كريشة. شعرتُ أنّ أطرافَ أناملي تلامس خصرَها كما تلامس أوتارَ العود، فصرتُ أداعبُ جسدها وأمرِّرُ أصابعي فوق عنقها وصدرِها وحول خصرها. وكانت تستجيب لمداعباتي كأنّها تشعر بي. وفجأةً، رأيتُها تركضُ وتُغلق الستارة. فتوقّفتُ عن العزف. وهكذا صرتُ كلّ يوم، بعد الانتهاء من عملي، أجلس في الظلمة منتظرًا ظهورها، لنبدأ حكاية جديدة.
***
لم أعرف بماذا أملأ الصمتَ الذي حلّ عندما توقّف طارق عن الكلام. فأخذتُ أصفّق معجَبًا باللوحة الجميلة التي رسمها بكلماته وجعلني أعيشُ تفاصيلها كأنّني كنت إلى جانبه. تابع قائلًا:
ــــ حاولتُ أكثر من مرّة ترتيبَ موعدٍ معها خارج البيت، لكنّها كانت ترفضُ دائمًا. واليوم، فوجئتُ بها تنتظرني قرب باب المبنى الذي تقع فيه عيادتي. وما إنْ رأتني أترجّل من السيّارة حتّى اندفعتْ نحوي وطلبتْ مني مرافقتَها إلى بيتهم لأنّ هناك حالةَ إسعافٍ لا تنتظر التأجيل. ذهبتُ معها بحكم مهنتي كطبيب. كان البابُ الخارجيُّ مفتوحًا. سبقتني، ودخلتُ خلفها وأنا أسألها: “أين المريض؟” “هناك،” قالت وهي تشير بيدها إلى إحدى الغرف.
وأكمل:
ــــ كان والدُها ممدّدًا على ظهره فوق السرير مغمضَ العينين. أخرجتُ جهازَ الضغط والسمّاعة الطبيّة ثم بدأتُ عملي بسرعة كي لا أفوّت لحظةً واحدة؛ ففي مثل هذه الحالات قد يكون بين الإنسان والموت دقائقُ قليلةٌ لا غير. لكنّني لم أجد فيه أيَّ علّة: كان ضغطُه جيّدًا بالنسبة إلى رجل في سنّه، ولم يكن هناك أثرٌ لحرارة أو اصفرار في الوجه أو نفخةٍ في البطن أو برودةٍ غير عاديّة في الأطراف. كان الرجل ببساطة يغطّ في النوم. حتّى إنه بدأ يشخر! نظرتُ إليها مستغربًا وقلت: “يبدو لي أنّه لا يشكو شيئًا!”

 

ــــ أعرف. لقد وضعتُ له منوِّمًا في اللبن منذ قليل!
قالت ذلك وهي تقترب منّي حتى التصقتْ بي، وشعرتُ بحرارة جسدها. ثم عرضتْ عليّ علبةَ دواءٍ، قائلةً: “مِنْ هذا!” وقبل أن أعي ما يحصل، وجدتُها تضمّني بقوّة وتقبّلني على شفتيّ وتهمس في أذني: “بدّي ياك!” وعلى الرغم من وجود والدها على بعد شبرٍ منّا، فقد وجدتُ نفسي مثارًا بطريقةٍ لم أعهدْها من قبل. وخلال لحظات كنّا في الغرفة المجاورة وأصواتُنا تملأ المكانَ وتعلو على صوت شخير والدها الرهيب؛ الأمرُ الذي جعلني أشعر بالأمان وكأنّني في بيتي الخاصّ. نسيتُ كلّ شيء، وسلّمتُ نفسي ليديها الماهرتين. فعرّتني خلال لحظات، وتعرّت مثلي، وهي تتلوّى فوقي وتئنّ من الشهوة وتشجّعني على مجاراتها. وعندما لاحظتْ أنّني أتجنّبُ الولوجَ بها، همستْ وهي تعضّ أذني: “لا تخفى طارق بأعصابٍ مشدودة، محاولًا استيعابَ كلامه وتصديقه. وكي لا يظنّ أنّني أحكم عليه أو أقاضيه تجنّبتُ النطقَ بأيّ حرف. كان المطر قد توقّف في الخارج وهدأت العاصفة. كذلك الكهرباء كانت قد عادت أثناء حديثنا. ومن بعيد، كان يصلنا أذانُ الفجر مع تلوّن السماء بالأزرق الضبابيّ، معلنةً بدءَ نهارٍ جديد.
لم يسألْني طارق عن رأيي، بل أغمض عينيه وغاب في عالمه الخاصّ، والدموعُ تسيل على خدّيْه. والحقيقة أنني لم أفهمْ سببَ هذا الأسى كلّه! حسنًا لقد فعل شيئًا غيرَ معتاد، لكنّ هذه الأمور تحصل أحيانًا. وبينما كنتُ شاردًا أفكّر في هذه الحكاية، رأيتُه يفتح عينيه ويهمّ بالوقوف، معلنًا عزمَه على الرحيل. لم أستبْقِه، ولم أعرضْ عليه النومَ عندي، بل قمتُ ورافقتُه إلى الباب. وقبل أن يخرج وقف قليلًا ثم استدار نحوي وسألني:
ــــ ماذا كنتَ ستفعل لو كنت مكاني؟
ــــ مثلما فعلتَ، قلتُ محاولًا التخفيفَ عنه.
استند بظهره إلى الباب وألقى برأسه إلى الخلف ثم تنهّد بعمق وقال:
ــــ هناك شيء لم أخبرك به.
ــــ يمكنك إخباري بأيّ شيء، قلتُ مشجّعًا.
ــــ اكتشفتُ لاحقًا أنّ الرجلَ في السرير كان زوجَها، لا والدَها كما ظننتُ.
قالها ثمّ خرج وأغلق البابَ خلفه، وتركني للقطط والكلاب تتراكض في رأسي وتعيثُ فسادًا فيه.

الكاتب  عصام حسن