أم زعزع
1
نظرت إلى المرآة، وهي تستعد لارتداء فستانها البرتقالي اللون المنقط بالأبيض، تتفقد الخطوط الجديدة في وجهها، ثم أعادت توزيع شعرها؛ لتخفي بعض الشعرات البيض التي ظهرت بفعل زوال الصبغة.
فاليوم ستلتقي في اجتماع العائلة الكبير بأم زعزع، وما أدراك ما أم زعزع لا تُبقي ولا تذر، لواحة للبشر، لا تفوت عليها مناسبة ولا غير مناسبة، حتى تكون أول الواصلين وآخر المودعين ليحظى بلقاءها كل الحاضرين.
لكن وجدان قررت هذه المرة أن تبقى بعيدة عنها قدر الإمكان، وأن ترتدي القناع الواقي عندما تبدأ الحديث معها؛ حتى لا تختنق بسمومها التي يصعب التخلص من آثارها.
وفي الطريق إلى هناك، كانت وجدان تفكر بالوسائل التي تجنبها الالتقاء بأم زعزع أو الجلوس معها، وتردد الكلمات التي سترد بها على أم زعزع إن فشلت في تجنبها.
وكان اللقاء أسرع من المتوقع فجأة وجدت نفسها في أحضان أم زعزع.
وجدان: كيف حالك يا ابنتي؟ وكيف حال والدتك وأخواتك وإخوانك؟
تجيب وجدان وهي تحاول أن تتملص من ذراعي أم زعزع. كلنا بخير فشكراً لك وإلى اللقاء، بل وداعاً لا لقاء.
وقبل أن تبتعد وجدان أو حتى تلبس قناعها الواقي، سحبتها أم زعزع إلى حذائها وأجلستها عنوة. ثم تفرّست بوجهها وجابت ملامحه بكسل بكسل* مفتشة عن الجديد فيه، ثم بدأ سيل الأسئلة يتسرب من فمها كالغاز المسيل للدموع: ها أليس لديك أخبار جديدة تريدين زفها إلي، ألم يتقدم أحد لخطبتك بعد، ماذا عن ابن أم رضوان؟ سمعت أنه زاركم مع والدته، لماذا لم يعد مرة أخرى؟ تلحلي يا بنتي، إلى متى تبقين في بيت أهلك، وما رأي أمك هل تريد أن تخللك – كلمة مشتقة من مخلل- بجانبها!
تلحلت وجدان باحثة عن منفذ هواء تتنفس فيه أوكسجين ضاقت بطلبه رئتاها، فأعادت أم زعزع ضخ ثاني أكسيد الكربون في وجهها متابعة كلامها: ثم ما بال لون بشرتك هكذا تبدو باهتة، لدي بعض الوصفات الشعبية المناسبة لإخفاء التجاعيد، تعالي منزلي وسأعطيك بعضها، وليتك أيضاً تغيرين لون شعرك، اجعليه أفتح لتخفي الشعرات البيضاء، إنها تسطع في عيني منذ دخلت الغرفة حتى كادت تقتلعها من مكانها.
غلطة وجدان الكبرى أنها لم تومئ بالموافقة على كلمات أم زعزع، فردت بقولها: ليس بالزواج فقط تُسعد المرأة، فإن لم يكتب الله لها رجلا صالحا ترتبط به، فهناك في الحياة ما يستحق أن تعيش لأجله. ثم إن كل شيء بأمر الله، والمهم راحة البال. قالت وجدان كلماتها التي حفظتها عن ظهر قلب؛ لتدفع بها ألسنة اللهب الخارجة من أم زعزع. التي تزعزعت من مكانها، وأخذت تشهق وتلطم، واقتربت من وجدان فاتحة فمها حتى بدى لوجدان أنها تهم بالتهامها. ثم قالت هامسة بصوت عالي جعل كل من في الغرفة يلتفت إليها: لا يا وجدان إلى متى ستنظرين حتى يأتيك الرجل المناسب وقد تجاوزت الثلاثين، ألم تسمعي بالمثل القائل: ظل راجل ولا ظل حيطة، والرجال رحمة ولو كان فحمة.
نظرت وجدان إلى أم زعزع بألم وعتب، ثم قالت لها: ولماذا لما أتاني “الفحمة” حشدت جيوشك وصويحباتك وغزوت منزلنا لتقنعي من فيه بألا يوافق على “الفحمة” الذي هو الآن برأيك رحمة، وقلتم وقتها إنه لا يناسبني اجتماعياً!، والثاني لا يجاريني مادياً! والثالث لا يلائمني قبلياً! ولما أتاني من برأيكم ليس بفحمة قلتم: ارفعوا تسعيرتكم، وبيعوها بمبلغ وقدره.. واشترطوا قصراً وسيارة، وأثاث وألماس، و و و..
تعدلت أم زعزع في جلستها، وأجابت بصوت مرتجف مهزوم: كنتِ صغيرة حينها وفرص الزواج أمامك كثيرة، أما الآن فأنت!…
نهضت وجدان من مكانها، وهي تقول بصوت عالي أسمعت كل من في الغرفة الكبيرة: قوليها أما الآن أنا عانس!. أو كما تجيدين نطقها “عانش”، فشكراً لك، ولكل من ساهم في الصاق هذا اللقب بي الذي أتمسك به إلى أن يأتني الرجل الذي أرضى خلقه ودينه لئلا أخلع عني لقب عانس، فأرتدي لقب مطلقة.. وأذكرك وغيرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : ” ثلاث يا علي لا تؤخرها: الصلاة إذا آنت، والجنازة إذا حضرت، والأيِّم إذا وجدت كفــؤاً
** رجاء اذا اعجبتك القصه لا تنسى التعليق و👎