اقتصاد

قصه قصيره … ما بيوقع الا الشاطر

أسمى أمين
وأعمل محتالاً – نصاب – كانت فى البداية مجرد هواية ثم أصبحت فيما بعد حرفة ووظيفة دائمة.
أقف كل يوم فى مكان مختلف أتخفى خلف نظاراتى الشمسية أبحث عن ضحية جديدة حتى أجد الفرصة.
فبخبرتى أصنع الفرص وأحول المواقف العادية إلى فرص جيدة فى صالحى .
فى ذلك اليوم وقفت أمام أحد المتاجر صاحبة العلامة التجارية الشهيرة والتى تشتهر أثمان بضائعها بأنها ليست للبسطاء وكانت على الناحية الأخرى من الطريق إحدى المستشفيات الحكومية الكبرى.

 

كنت أراقب المارة من خلال انعكاس الصورة على واجهة المحال الزجاجية كأنى أتابع المعروضات حتى أجد فريستى القادمة.
شاهدتها تقف مترددة وحيدة على الجانب الأخر من الطريق تنظر يميناً ويساراً أمام أبواب المستشفى كأنها تبحث عن أحد أو تنتظر أحداً
شعرت أنها تنظر ناحيتى فقمت بالسير وأنا أتابعها من خلف نظاراتى حتى توقفت عند متجر أخر ثم نظرت فوجدتها قد قامت بعبور الطريق فوراً .نظرت بعيداً ولكن عينى تتبعها حتى سمعت صوت رقيق ينادى على
-من فضلك هل من الممكن خدمة؟
استدرت إليها وأنا أصطنع الدهشة فتابعت هى
-أعتذر لك مقدماً ولكن والدتى بداخل تلك المستشفى تنتظر دورها فى الكشف ولكن عليها تحمل تكاليف أشعة لم نستطع تدبر باقى مبلغها بعد أن أنفقنا كل ما معنا فى باقى الأشعة وبقى عليها 20 ج فقط .فهل يمكنك أن تساعدنى؟

 

نظرت إليها ولم أبد لها أى تعبيرات على وجهى ولكن ابتسامة تملئنى من الداخل. بخبرتى هى مجرد محتالة مبتدئة لاتستطيع إخفاء ارتباكها وهذا الحزن فى عينيها مصطنع لا محالة .
حين لم تر منى إلا الصمت قالت
-أعتذر لما سببته لك من إحراج
همت بالانصراف فاستوقفتها
-ما علتة والدتك؟
-الكثير ولا نملك إلا القليل ولقد تركتها فى العيادات بحجة ذهابى إلى دورة المياة ولكن لا أستطيع تركها بلا علاج . إن كنت لا تصدقنى دعنى أنصرف وشكراً على وقتك.
لم أصدقها بالفعل ولكن بداخلى شىء يقول أنها بدأت تتقن مسرحيتها وسوف يكون لها مستقبل جيد فقررت إعطائها المبلغ كنوع من التشجيع لإحدى المواهب الشابة.
أخرجت ما معى من أموال فى جيبى التى كانت بعض الفئات الكبيرة من فوق وهى من بعض الحيل فى عملى واستخرجت منها ما طلبت وأعطيتها النقود بعد أن أعدت الأموال إلى جيبى وقلت وأنا أبتسم بقليل من الدهاء
-أبلغى سلامى لوالدتك واسأليها الدعاء
شعرت بتلك الابتسامة فأخذت الأموال وانصرفت بهدوء
وقفت أما أحد المتاجر أراقبها حتى عبرت الطريق ووقفت مكانها تنظر يميناً ويساراً مرة أخرى فقلت فى نفسى
-إنها حقاً محتالة مبتدئة يجب عليها تغيير المكان فى كل مرة. أتبحث عن ضحية أخرى فى نفس المكان؟
فوراً ظهرت سيدة عجوز تتكىء على عصا وتقترب منها بعد أن خرجت من المستشفى لتوها فاقتربت منها الفتاة ودار بينهم نقاش بدا على العجوز الغضب ثم أشارت الفتاة إلى بعد ان أرتها شىء فى يديها فأمسكت العجوز يديها لتعبر بها الطريق على الفور فى اتجاهى .
انتقلت على الفور إلى المتجر الذى يليه وأنا أبحث عنهم فى زجاج المعروضات حتى سمعت من ينادى خلفى
-من فضلك هل تسمح بكلمة؟

فاستدرت إليها بنفس نظرة الدهشة التى أتقنها واشرت لها برأسى بدون أن أتحدث فقالت فى حزم
-أنا أسفه على ما فعلته ابنتى. أنا لا أعرف كيف وصلت إلى هذا الحد من الجراءة وأعتذر لك وأقدر لك عطفك ولكن الحمد لله لا نحتاجه.
وضعت ورقة النقود فى يدى فنظرت إليها فإذا هى الورقة التى أعطيتها للفتاة أنا أعرفها جيداً
اندهشت من تصرفها وهى تلقى السلام وتنصرف فوراً فاستوقفتها
-لاداعى للإعتذار ولا داعى للومها . أنا من عرضت عليها خدماتى حين وجدتها حزينة أمام المستشفى . اعتبرينى كأحد أبنائك فهل ستردين يده؟
ابتسمت بحزن وقالت

 

-على كل حال لم يعد لذلك داعى الآن. لقد تأجلت الجلسة لمشكلة فى جهاز الأشعة وسنضطر للعودة الأسبوع القادم إن شاء الله .شكراً لك أنت شاب طيب تذكرنى بأكبر أبنائى شريف أسأل الله أن يرحمه
شعرت ببعض الخجل وأنا أنظر إليها وإلى الفتاة التى لم ترفع عينيها عن الأرض منذ بداية الحديث فعرضت عليها المبلغ مرة أخرى فأبت بإصرار وهمت بالانصراف وقد مالت عليها الفتاة هامسة
-يأمى خذى المبلغ نحن حتى لا نملك ثمن العودة
سمعت همساتها فصعقت من كلماتها فاستوقفتها وأنا أشعر باحتقار لنفسى أمام تلك العجوز العفيفة ورجوتها أن تأخذ النقود وأن تعتبرنى كأحد ابنائها ولا ترد يدى على مبلغ ضئيل .
نظرت إلى بعيون حائرة ودمعة توشك أن تسيل على وجه قد نحته الزمن وبدا عليه هموم الكون وقد تركت بصمات سنوات يبدو أنها لم تكن سهلة
اتكأت على عصاها بقوة وكأن على ظهرها جبال لاتتحملها وهى تنظر إلى ابنتها فى صراع داخلى يبدو من نظراتهما.
اعتصرنى هذا المشهد وأنا أقارن حاجتها وعفتها أمام عملى الحقير فأخرجت ما معى من أموال ووضعتها كلها فى يديها وانا أرجوها أن تأخذها منى
فنظرت إلى وقد سال الدمع من عينيها فاحتضنتها إبنتها وقالت

 

-هونى عليك يا أمى .صحتك لم تعد تحتمل كل هذا الحزن .اعتبريه كأخى شريف رحمه الله
مسحت الأم دموعها ثم جذبت من بين النقود ورقة 20ج واقتربت منى ووضعت باقى النقود فى جيب القميص وهى تقول
-أخذت ما يكفينى ولا داعى لكل هذا
حاولت منعها ولكن إرادتها كانت أقوى منى فرضخت لرغبتها وهى تنظر إلى فى حنان وتقول
-اسمى الحاجة عفاف. أدعوا الله لى بالشفاء
ثم انصرف بعد أن ربتت على كتفى وهى تدعو لى
شعرت بأن أقدامى لم تعد تتحملنى من الهموم مشيت قليلاً حتى وجدت على بعد خطوات كشك صغير فتوقفت عنده أشترى علبة سجائر لعلها تزيل بعض هذا الشعور مع دخانها والذى لا يحدث أبداً .
حين مددت يدى للنقود فى جيب قميصى فإذا ما بيدى بعض قصاصات الأوراق من مجلات قديمة ملفوفة كنقود
نظرت خلفى سريعاً أبحث عنها ولكن كانوا قد اختفوا فوراُ
أطلقت ضحكة عالية فاندهش البائع وهو يسأل عن ما يضحكنى فقلت له
-يبدو ان الإبداع ليس له حدود ولم يعد هناك ضمير فى ذلك الزمان
ابتسمت له وأنا أكمل
-الان أعلن توبتى
اسمها عفاف وابنها شريف وانا أمين يا للسخريه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.